تاريخ نظام لينكس: من البداية إلى الريادة
في هذا المقال، نستعرض تاريخ نظام لينكس (Linux) منذ نشأته، مرورًا بمراحله المفصلية، وصولًا إلى مكانته العالمية اليوم.
مقدمة
في عالم أنظمة التشغيل، يُعتبر "لينكس" أحد أعظم المشاريع البرمجية مفتوحة المصدر في التاريخ. لم يبدأ كنظام تجاري، ولم يُفرض على المستخدمين بوسائل تسويقية ضخمة، بل نشأ من فكرة بسيطة لطالب جامعي في التسعينيات، ثم تحوّل إلى نواة لثورة تقنية غيّرت وجه الإنترنت والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في العالم.
البدايات : عندما كان كل شيء يُكتب من الصفر
في أواخر الثمانينيات، كانت أنظمة التشغيل التجارية مثل UNIX تسيطر على عالم الحواسيب، لكن استخدامها كان مكلفًا ومغلقًا المصدر، ما دفع الباحثين والمطورين للبحث عن بدائل مفتوحة. في هذا السياق، بدأ مشروع MINIX عام 1987، وهو نظام تشغيل تعليمي صممه أستاذ علوم الحاسوب أندرو تانينباوم لتعليم مبادئ أنظمة التشغيل. ورغم بساطته، ألهم هذا النظام جيلًا جديدًا من المطورين.
من هؤلاء المطورين كان لينوس تورفالدس (Linus Torvalds)، طالبًا فنلنديًا في جامعة هلسنكي. شعر تورفالدس بالإحباط من محدودية MINIX وعدم قدرته على التعديل فيه بحرية. فقرر إنشاء نظام تشغيل خاص به، وبدأ في تطوير نواة نظام جديدة (kernel) من الصفر، لا تعتمد على MINIX ولكن تستلهم منه بعض الأفكار.
1991: ولادة لينكس
في 25 أغسطس 1991، نشر لينوس رسالة شهيرة على مجموعة بريدية لمستخدمي MINIX جاء فيها:
أنا أعمل على نظام تشغيل حر (مجاني)، ولن يكون كبيرًا كـ GNU، لكنه يعمل بالنسبة لي. وأحب أن أعرف رأيكم.
لينوس
وهكذا، أُعلن عن مشروع لينكس لأول مرة، وكان الإصدار الأول يحمل الرقم 0.01. لم يكن لينكس في البداية نظامًا متكاملًا، بل مجرد نواة، لكنها سرعان ما وجدت دعمًا من مجتمع المطورين الذين ساهموا في تطوير أدواتها ومكتباتها.
لينكس وGNU: لقاء الثورة
في نفس الفترة، كانت مؤسسة Free Software Foundation بقيادة ريتشارد ستالمن تعمل على مشروع GNU، وهو مشروع يهدف لإنشاء نظام تشغيل حر بالكامل. وبحلول عام 1991، كانت جميع أجزاء GNU جاهزة تقريبًا باستثناء "النواة".
وعندما ظهرت نواة لينكس، وُلدت فكرة دمج نواة لينكس مع أدوات GNU، ما أدى إلى إنشاء نظام شبه متكامل يُعرف باسم:
- > GNU/Linux
(والاسم الأدق تقنيًا هو "نظام جنو/لينكس")
هذا الدمج منح لينكس القوة والاستقرار والانتشار السريع، وأصبح منصة حقيقية للمطورين والشركات والجامعات.
التسعينيات: النمو والانفجار
مع تطور الإنترنت في التسعينيات، ازداد التعاون بين مطوري لينكس من جميع أنحاء العالم، وسرعان ما ظهرت توزيعات مثل:
- Slackware (1993)
- Debian (1993)
- Red Hat Linux (1995)
هذه التوزيعات (Distributions) قدّمت لينكس في صورة نظام تشغيل متكامل، قابل للتثبيت، سهل الإدارة نسبيًا، ومناسب للخوادم والمستخدمين المتقدمين.
الألفينات: دخول المؤسسات والانتقال إلى سطح المكتب
مع بداية الألفية، بدأت الشركات الكبرى تدرك قوة لينكس، خاصة في مجالات الخوادم، قواعد البيانات، والحوسبة الفائقة.
أبرز المحطات في هذه الفترة:
- إطلاق Red Hat Enterprise Linux (RHEL) وSUSE Linux Enterprise Server (SLES) كنظم تشغيل تجارية مدعومة للمؤسسات.
- تأسيس مؤسسة Linux Foundation عام 2000 لتوحيد جهود التطوير والدعم.
- ظهور توزيعات موجهة للمستخدم العادي مثل Ubuntu (2004) والتي سهلت استخدام لينكس على الحواسيب المكتبية.
العقد الأخير: سيطرة خفية على العالم
رغم أن لينكس لا يزال غير شائع كثيرًا على الحواسيب الشخصية، إلا أنه أصبح العمود الفقري للتقنية العالمية اليوم:
- نظام أندرويد مبني على نواة لينكس.
- معظم خوادم الإنترنت حول العالم تعمل بأنظمة لينكس.
- منصات كبرى مثل Google, Facebook, Amazon تستخدم لينكس في مراكز البيانات.
- أقوى الحواسيب العملاقة (Supercomputers) تعمل جميعها بنسخ مخصصة من لينكس.
- لينكس اليوم: مجتمع عالمي ومفتوح للمستقبل
مشروع لينكس لم يعد مشروعًا فرديًا منذ زمن بعيد. اليوم، يُطوَّر نواة لينكس بمساهمة آلاف المهندسين حول العالم، وتمول بعض المساهمات من أكبر الشركات مثل Intel وIBM وMicrosoft نفسها. ولازال لينوس تورفالدس حتى اليوم يشارك في إدارة وتوجيه تطوير النواة.
خاتمة: ما الذي يجعل قصة لينكس مميزة؟
إن تاريخ لينكس يُجسد روح البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر، ويُثبت أن التعاون المجتمعي والتوزيع اللامركزي يمكن أن ينتج نظام تشغيل يتفوق على المنصات التجارية.
ما بدأه طالب جامعي كهواية، أصبح الآن أساسًا للتقنية الحديثة.
